في وداع العشرينات! تدوينة التاسعة والعشرون
كحباتِ عِقدٍ في سلسلة مُهترأة تلاعب بها صغيرًا يكتشف عالمه حتى انفرطت، مَرّت السنين..
تسعُ سنوات يبدون وكأنهم تسع غفوات سريعة مرّت بي في ليلةِ قلق، وأحيانًا أُخرى يبدون وكأنهم سلسلة من حلقاتٍ لا تمِلُ التكرار، حتى صرت أحفظهن ظهرًا عن قلب، وأتذكر كل حلقة مشهد مشهد..
تسعُ سنوات يبدون وكأنهم تسع غفوات سريعة مرّت بي في ليلةِ قلق، وأحيانًا أُخرى يبدون وكأنهم سلسلة من حلقاتٍ لا تمِلُ التكرار، حتى صرت أحفظهن ظهرًا عن قلب، وأتذكر كل حلقة مشهد مشهد..
وفي جواب ذلك السؤال الذي دائماً ما تعمدت طرحه على نفسي " هل تغيّرت؟ " ، لم أجد إجابة وافية، رُبما لم يُعد يهمني "كَم تغيّرت" بقدر ما يهمني " من أنا؟ "..
تغيّرت ملامحي بقصدٍ أو بدون فكلفني الأمر تسع سنوات للبحث عنّي، هي رحلة ليست سهلة ولكنها الأمتع والأهم، رحلةٌ كان الزاد فيها هو "التجربة"، تعمدتُ في مراتٍ أن أسبر غوار البعض منها فضولًا أو شغفًا، أما البعض الآخر ففُرض عليّ فرضًا..
التجارب اختبارات، نعتقد أننا نختبر من خلالها البشرُ من حولنا، أو رُبما الأشياء، ما توصلت له في نهاية المطاف أننا لا نختبر إلّا أنفسنا، ولا نقصد سوى المُراهنة عليها، نختبر قُوة احتمالنا، ونُراهن على صلابة أشخاصنا، تُرى هل قوّيت روحي بما يكفي أم أنها بحاجة إلى المزيد!..
تغيّرت ملامحي بقصدٍ أو بدون فكلفني الأمر تسع سنوات للبحث عنّي، هي رحلة ليست سهلة ولكنها الأمتع والأهم، رحلةٌ كان الزاد فيها هو "التجربة"، تعمدتُ في مراتٍ أن أسبر غوار البعض منها فضولًا أو شغفًا، أما البعض الآخر ففُرض عليّ فرضًا..
التجارب اختبارات، نعتقد أننا نختبر من خلالها البشرُ من حولنا، أو رُبما الأشياء، ما توصلت له في نهاية المطاف أننا لا نختبر إلّا أنفسنا، ولا نقصد سوى المُراهنة عليها، نختبر قُوة احتمالنا، ونُراهن على صلابة أشخاصنا، تُرى هل قوّيت روحي بما يكفي أم أنها بحاجة إلى المزيد!..
وفي كلٍ مرة لا ٱشبع، استزيد من التجارب، واسعى للجديد..
راهنت كثيرًا، خسرت مرات، وكسبت رهاني مراتٍ عديدةٍ، وفي كل مرة ألحظ شيئًا قد ازداد بداخلي، شيئًا ما قد أنار وكأنه شُعلةٌ مُتوهجة في ليلةٍ ظلماء، لم أندم على تلك المرات اللي خسرت بها رهاناتي، بل إن امتناني للتجارب فاق الندم فأسقطه في بئر سحيق، ثم أصبح منسيا..
أطوف بين محطاتي التسع الأواخر، أتحسس وجوهًا كُنت أعرفها، تُرى أين هُمُ اليوم، هل باعدتنا السنين؟ أم أننا نتباعد عمدًا؟ كَبرت، ولم أعُد أُصدّق في التبريرات، نحن من نختار من نحن، نحن من نختار الرِفقة، نحن من نوجد طريقنا ونختار مع من نسير، نحن فقط من نُحدد المصير..
من اختار أن يقفَ في محطة ما ولم يُكمل فلن آسى عليه، أتت محطتي التاسعة والأخيرة، ورُبما قد فات الأوان للنظر مُجددًا إلى الوراء..
أما من أسقطته عمدًا، فقد نسيته بمُجرد سقوطه، تعوّدت أنا أن أُعطي "التجربة" كلٌ ما أملك من طاقة وقوة وصبر وحب، انتظر طويلًا، واصبر بقدر ما تطيق نفسي، حتى إذا أثقلتني ألقي بها دون ندم وأُسقطها عن كتفي دون اكتراث، تعوّدت أن أُعطي التجارب حقها للنهاية، وعندما أصل للنهاية لا التفت مُجددًا..
أما من أسقطته عمدًا، فقد نسيته بمُجرد سقوطه، تعوّدت أنا أن أُعطي "التجربة" كلٌ ما أملك من طاقة وقوة وصبر وحب، انتظر طويلًا، واصبر بقدر ما تطيق نفسي، حتى إذا أثقلتني ألقي بها دون ندم وأُسقطها عن كتفي دون اكتراث، تعوّدت أن أُعطي التجارب حقها للنهاية، وعندما أصل للنهاية لا التفت مُجددًا..
.
.
لم أشعر بقيمة من أنا عليه إلا عندما قررت أن أبحث عني، ولم أبحث عني في روايات الناس وخيالاتهم، بل بحثت بداخلي، وسبرت أغواري حتى وصلت لأقصى عُمق، وبدأت من هُناك حتى أحييت ما مات بفعلِ القصد أو العفوية، أحييت ما أُحب أن أحيا معه، أحييت ما أُحب أن يحيا بداخلي ، ثم تسامحت وسامحت، فوُلدت "أنا" جديدة، أحببتها وقررت أن أعتني بها وأن احتويها كما يحتوى ظل شجرة غريب عابر..
.
.
وفي طريقي كان معي الله، استعين به فيُعينني، أستقوى بقوته فيُقويني، أطلب منه المدد فيمُدنّي بأسبابِ من عِنده، وفي عِقدي التاسع والعشرون أدركت أن لا حياة دون القُرب منه، ولا سبيل لمعرفة نفسي إلّا بمعرفة الله، ولا طريق يستحق الخوض فيه دون إمساكي بمشكاةِ نوره، فالحب فيه، والعمل من أجل رضاءهِ والحياة في سبيلهِ.. وكفى
.
.
ألقيتُ نظرة أخيرة على محطاتي التسع الخوالي، ألمح هذا وذاك، أوّدع جزءًا من حكايتي التي لم تنتهي بعد، جزءًا سيُنقش على جبهتي وكفوفي سيُحيله الدهر إلى تجاعيد، رويدًا رويدًا..
أشعر بحنينٍ خفيّ يُشبه ذلك الشعور الذي يعتري الروح عند الوداع، هل أنا أودعهم؟ أم أودع نفسي القديمة؟
وفي نظراتي الأخيرة رأيت ألوانًا، يغلب على المشهد ألوانًا هادئة، يتوّسطها ألوانًا باهته حتى لا تكاد تميّز كينونتها، كل لحظة بلون، الوردي، الأبيض، الأزرق ورُبما البنيّ، لا يُقاس العمر بالأيام، بل يُقاس باللحظات المحسوسة، أم تلك التي شعور بها فلا تستحق أن تُحسب على أعمارنا..
تغيّرت ملامحي كثيرًا من المحطة الأولى عن الأخيرة، ملامح وجهي وروحي، أشعر بالفخر أحيانًا على ما أعانني الله على تغييره، وأخشى أحيانًا أن أكون قد فرطّتُ على نفسي وطمستُ شيئًا لن استرجعه، أخشى أن يكون تأثير أحدهم قد امتد ليجعل أذيتي بيداي، أُظهر ما لا أُكنّ، وأُبدي ما لا أؤمن به..
ولكنّي تعوّدت أن أُحاسب نفسي، أن أُنقهها، أُصفيها، أُصارحها بما لن يُصارحهها به أحد، وفي مُصاراحتي لي قسوةٌ أليفة، وعتاب لطيف، يُصلح ولا يُعنّف، يُداوي ولا يكسر..
ولكنّي تعوّدت أن أُحاسب نفسي، أن أُنقهها، أُصفيها، أُصارحها بما لن يُصارحهها به أحد، وفي مُصاراحتي لي قسوةٌ أليفة، وعتاب لطيف، يُصلح ولا يُعنّف، يُداوي ولا يكسر..
.
.
نظرتُ نظرة أخيرة، نظرة امتنان وحب، لكل من أحب، وأعان، وألقى بكلمة طيبة، وترك أثرًا طيبًا، لم يتركني الأثر، بل بقى بداخلي، أُسقيه محبة ورعاية فيزيدني حنانًا وحكمة..
نظرة الامتنان طالت أشياءًا أيضًا، لا أشخاصًا فقط، أشياءً لولاها ما كُنت أنا، عرفتُ خلال الرحلة قيمة الأشياء البسيطة والسعادات الكبيرة وما الرابط بينهما، تعلّمت كيف أن السعادات تُصنع ولا نجدها مُصادفة، وأن الفُرص تُوجَد ولا تُنتظر..
.
.
وفي استقبال عِقد جديد بدلًا من ذلك الذي اُهترئ ، قررتُ أن أتخفف
أتخفف من أحمالي
من تجاربي الفائتة
من صداها الذي مازال صوته يعبث بداخلي من حين إلى آخر
أتخفف من الشعور بالذنب
بالغضب
أو حتى الحنين تجاه الماضي
سأقتبسُ قبس من نور الماضي، اصطحبها في رحلتي الجديدة .. علّي استزيد
وأتخلّى عن عثراتي
رهاناتي الخاسرة
خُذلاني
انكساراتي
سأتخفف حتى أصير فراشة
تتشمم وردة هُنا وزهرة هُناك
تترُك أثرًا لا يُرى
ولكن يُحس
سأُسامح من أجلي
سأتناسى من أجلي
وسأنبت روحًا قوية، روحًا مُخضرمة بين الحِكمة والحُب
.
.
وداعًا يا تلك الفترة التي عَرّفتني من أكون
وما أُحب
وداعًا للتجارب التي لم تُزدني سوى صلابة
وداعًا لأشخاص رحلوا وما زال آثرهم باقٍ
ولأولئك الذين لم يرحلوا إلّا لأن آثرهم رحل!
.
.
أعدُ نفسي أن يكون عِقدًا شعاره عُمق التجارب وليس كُثرها
ودوام الأعمال بقِلتها وليس انقطاعها بكثرتها
أعدُ نفسي بأني سأبحثُ دائمًا عن الخير
وسأروي دائمًا شجرة الحُب .. لأستظل بها وأظل بها الأحباب
وبأني سألزم جنب الله، فلا أمان مع سواه
أعدُ نفسي أني سأعتني بها دائمًا
وسأحلُم
فقط لأني أُحب أن أفعل
ولأن الحُلم زادي
استزيد به في رحلتي
وأتدثرُ به في مواجهة رياح الواقع
.
.
وداعًا :)
حبيبي يا هاجر :* ربنا يسعدك يا جميلة .جهاد الكومي
ReplyDeleteويسعدك يا جهاد يا حبيبتي <3
Delete